ما بعد الخريف
غادرنا الخريف ومضى على رصيف الطرقات ، برياحه القوية وخشخشة أوراقه اليابسة المصفرة ؛؛ انسحب في خطوات بطيئة وهو يبتعد شيئا فشيئا ، وكأنه يودعنا ويعطينا وعد بعودته الينا في السنة المقبلة .. لاحظنا غيابه وفراقه الا أنه لكل منا نظرة مختلفة اتجاه العملية ، فينا من تأسف على رحيله دون تحقيق الأماني والأهداف المنسوبة لذاك الفصل الراحل ؛؛ ومنا من راق له الرحيل نظرا لجوه المتقلب وقساوته على الطبيعة ،، أما بالنسبة لمحبين فصل الشتاء وعشاق الهدوء والرومانسية فقد أصبحو أكثر فرحا وسعادة .. ها قد حان الوقت لتعود إلينا سحب فارقتنا منذ سنة ، في حلتها البيضاء الجميلة ، لم نتمتع بالنظر اليها الا قليل حتى تحولت الى غيوم متراكمة فأعطت السماء لون رمادي غامق .. وأصبح الهواء باردا عن المعتاد ، هذا ما جعل رجال القرية على أتم الإستعداد إلى ليلة ممطرة ..حركة غير عادية .. الكل يتحرك بنشاط ..بسرعة غير متوقعة وصلت أكوام الخشب ، إلى جانب كل بيت وضعت كمية محدودة ورتبت بنظام تام .. كما هيئت أوعية خشبية، كبيرة مستديرة الشكل،، وضعت مباشرة تحت الميازيب المطاطية التي يتخذ المياه مجراه مرورا بجوفها لتصب مباشرة في الوعاء المستدير ؛؛ هكذا ظلت الحركة مستمرة طول وقت الغروب ،، والعمل قائم على قدم وساق .. كلما تأخر الوقت كلما ازدادت الحركة سرعة خوفا من حلول الظلام .. ما إن أقبلو على الإنتهاء حتى بدأت قطرات الأمطار في السقوط ، وهي في تزايد مستمر .. الى أن أصبحت غزيرة ، حينها هرع الكل إلى الداخل ، بينما بقي البعض القليل للإهتمام ببيوت المسنين والعجزة ..إلى أن أنهو العملية على أكمل وجه .. اتجهو بعدها مسرعون نحو الداخل .. لتغيير ملابسهم المبللة .
ليلة ممطرة .. ظلام حالك .. رعد مخيف .. برق يخطف الأنظار .. قرية صغيرة وجميلة ، لبست حلة جديدة لم تلبسها منذ شهور عدة .
أول أيام شتائها ، كل البيوت أمست متشابهة !.. حساء فوق نار هادئة .. إبريق تقليدي يتخذ جزئه السفلي لونا أسودا نتيجة دخان الفحم والخشب ..يصل بخاره الى السقف من كثرة غليانه ؛؛ وصينية بكؤوس مزركشة هيئت لوضع الشاي بالنكهة التقليدية الذيذة ؛؛ فيلم وثائقي على التلفاز ، يدور حول موضوع الفلاحة والزراعة .. تليه النشرة الجوية التي أكدت أن المديرية العامة للأرصاد الجوية تخبر كافة المواطنين والمواطنات باتخاذ الحيطة والحذر نظرا للأمطار القوية والعواصف الرعدية مع موجة البرد وتساقطات ثلجية قوية في جل أنحاء المملكة .
عائلة عفوية تقليدية .. ملتفة حول مائدة العشاء.. الكل يبحلق في التلفاز ويبدي وجهة نظره حول ما يدور ..
أسرة صغيرة متواضعة تتضمن كل معاني الجمال ..بيت بسيط يملئه الدفئ والحنان ،، وعاصفة قوية مع تساقط حبات البرد ،جعلت كل أفراد الأسرة تقفز الى النوافذ لتستمتع بالمنظر الجميل .
بالرغم من قساوة العيش والحياة في القرية الا أن العفوية والبساطة وطيبة القلب تلعب دورها وتجعل الفرحة والبهجة تدخل على قلوبهم في أبسط الأشياء .
زخات رعد قوية وانقطع تيار الكهرباء ؛؛ إتخذت شاشة التلفاز لونها الأسود ، على ضوء الشموع توجه كل فرد من العائلة إلى مكانه الخاص به ليخلد الى النوم والراحة .. ينتظرون الغد بكل أمل وتفائل لبدء الحرث في أراضيهم الخصبة ، ليأتي بعدها موسم الغلة والحصاد حينها تعم الفرحة على الجميع .
فتيحة المسعودي
المغرب