-->
»نشرت فى : الخميس، 9 يناير 2025»بواسطة : »ليست هناك تعليقات

ما لم تخبره لنا أجسادنا _ منى بشناق


 (ما لم تخبره لنا أجسادنا.)

نكبر..
فيتحول العالم إلى حي صغير في أعيننا..بعدما كنا نراهُ كمجرّة، ننتقل فيه بين رقعة وأخرى دون أن يدهشنا فيه شيء، رغم محاولاتنا الحثيثة للحفاظ على تلك اللهفة.
كَسَت الخيبة قلوبنا، وسمعنا أصوات الصمت الصاخبة في قلب الفواجع.
جربنا كل أنواع التناقضات، في الإذلال بعد الشموخ، والتصالح بعد الصراع، والتيه بعد العثور، والشك بعد اليقين، والتخلي بعد الوعود، والموت قبل الحياة.
افترشت الأمراض أجسادنا مبكراً، تلك التي لا وصفة طبية تعالجها.
وَهِنّا من وجع المشاهد الدامية التي مرّت أمامنا، لا من أمراض القلب.
تعبَت أقدامنا من المضي في الطرق المسدودة، لا من الروماتيزم.
ثقلت ذاكرتنا من فيض القصص التي لا تُنسى، لا من فقدان الذاكرة.
ضجرنا من تراكم الاسئلة التي لا إجابات لها، لا من الصداع النصفي.
نسرد كل ذلك على طبيبنا النفسي الذي لا وجود له سوى أمام مرآتنا، تضجره ثرثرتنا ويملّ من إطالة إنصاته لمواجعنا، عاجزاً عن تقديم علاجاً جذرياً لنا، لكننا رغم ذلك لا نجد سواه لنطلق بعض الكلام المختنق داخل شراييننا منذ مدة، خوفاً من إصابتنا بجلطة مباغتة، تكون حقيقية هذه المرة، فلا نجد أملاً يُغرس في قسطرة سريعة تنقذ حياتنا من يأسٍ قاتل.
فهل تحوِلُنا الحقائق الصعبة والحروب القاسية إلى جثث متحركة لهذا الحد؟
تكبر أكثر، فتصير تبحث عن شفاءٍ ما يدفعك في عالم البقاء.
تنبش عنه بين الإجابات، ولا تجده..
تهرول نحوه بالهروب، ولا تجده..
تحاول العثور عليه في النسيان، ولا تجده..
فتتوقف عندك الحاجة، وتجرفك الخيبة، وتشرّع نافذتك من جديد نحو مستقبلٍ لا تعلم خفاياه، تراقبه في حيرة ولا توصده خشيةً أن يُحجب عنك آخر شعاع من الأمل.
وحين تتساوى الحياة والموت في عينك.. ستهدأ، ووقتها قد تغير مجرى تفكيرك، وبعض قناعاتك، وستتصالح مع ألمك، وتتقبل واقعك، وتدفع ثمن نضجك، وسيكّف الرعب عن مباغتتك، وتتوقف عن مراكمة أوجاعك، وعدّ خساراتك.
ثم تكتشف أخيراً أن في قلبك زرقاء يمامةٍ خفيّة، تبصر الشر والخير وتنبهك بحقائق مريرة لا تقبل الصمت.
فتدرك أن تلك الزرقاء هي إنسانيتك، وحين تعثر عليها حيّة في داخلك.. سوف تشفى.
منى بشناق/ فلسطين

    اضف تعليقاً عبر:

  • blogger
  • disqus

الابتسامات

0102030405060708091011121314151617181920212223242526272829303132333435363738394041424344

design by : bloggerinarab, powered by : blogger
كافة الحقوق محفوظة لمدونة أكاديمية الشعر والأدب العربي الحديث 2014 - 2015