تراتيلُ ما بعد الرحيل _ ماري العميري
تراتيلُ ما بعد الرحيل
أمسيتُ يتيمَة ....كأني بلا طريق
غير ملامح تراودني..
لأيام آفلات..
بين يديه الحانيتين
جدي...
كان ظلًّا يراقب الزمن بصمت،
خطوته نغمة تجوس قلب الليل..
رحل بهدوء النُساك
ترك لنا بقايا ضوءٍ ووعودًا مؤجلة.
لكن صوته لا يزال يملأ الفراغ.
كلما همس اسمه في القلب،
فاحت ذكرياته كعطرٍ لا يذبل.
كان والدي...
مأخوذًا بنشوة النور،
يركض خلف ظلِّه في ممرات الغياب،
ينضحُ الدروبَ بندى البصيرة،
ويُساومُ العطشَ على سرابِ وعدٍ لا ينقض،
ثمّ، في غفلةِ توقيتٍ كوني،
أفلتتِ الروحُ من قبضة الإدراك...
ولم تخلّف لي سوى رفرفةَ الغياب.
أمّي...
تعاتبُ الفواصلَ بين الذاكرة والرجاء،
تغزلُ من الحنين وشاحًا
لأخٍ استحالَ طيفًا في منامٍ معتّق،
زارها على عتبةِ صبرها،
طَبَعَ على وجعها قبلةَ اعتذار،
ثمّ أفاقت مُحَملةً بمواويلُ وتآوهات حزينة،
فسقته بعمرٍ من نُضج الانتظار... حتى ذبلت.
أخي...
كان خيط شعاع سفرِ النور، لم يُكتمل،
يسيرُ في ليلِ داجنٍ لوطن مستباح
ومصباحُ الحلمِ في كفّه،
يربتُ على أكتافِ الرهبة،
ويزرعُ بين الأزقّةِ سنابلَ سكينة،
أنفقَ عمره على مذبحِ الجوع،
اختار أن يسكنَ في صدى الشهادة،
كلّما ذُكر اسمه،
أضاءَ الكفنُ بيادر ضياء وأفقٍ من شموس،
اهتزّتِ له المثاوِي بندى التضحيات.
منذ أن غابوا...
الفرحُ ينأى من أعتاب أيامي،
أنا الذي قطعتُ عهدي دون الانشراح،
وأوصدتُ بوّابة النبض لغيرِ الغياب،
لكنّ صوته لا يزالُ يقرعُ القلبَ كترنيمةِ عودة،
فأتركُ للضوءِ صدعًا صغيرًا...
علّه يعود.
بقلمي
ماري العميري
اضف تعليقاً عبر:
الابتسامات