الدبّ والقطط _ نور شاكر
الدبّ والقطط
دبٌّ أسود.
ضخم، ساكن، عيونه لا تلمع ولا تنطفئ، يحتضنُ بين ذراعيه ثلاث قطط صغيرة ترتجف كأوراق الخريف في حضن العاصفة. لم تكن القطط تبكي، لكنها كانت تنظر إليَّ بنداءٍ صامت، كأنها تقول: "افهمي دون أن نصرخ... أنقذينا."
كان المشهد غريبًا، مزيجًا من الوحشية والرقة.
الدبّ لم يكن مفترسًا، لكنه لم يكن حنونًا أيضًا. كان يحتضنها كما يحتضن الليل سرّه: لا ليُؤذيه، بل ليخفيه.
تقدّمتُ نحوه بخطى متهدّجة، كلّ شيء في داخلي يقول لي "ارجعي"، لكن شيئًا أقوى من خوفي جعلني أقول: "هذه القطط تشبهني."
رفعتُ يدي ببطء. حدّقتُ في عينيه السوداوين، كأنني أنظر في هاويةٍ من وجعٍ قديم. لم أصرخ، لم أركض. قلتُ له همسًا:
"أنت لستَ مكان الأمان... دعها تعود إليّ."
صمتَ لحظة... ثم نهض.
مدّ يديه، وأفلتها.
تركت القطط حضنه كمن يخرج من سجنٍ بلا جدران، وجرت إليّ ودفنت رؤوسها في كفيّ، وبدأت ترتجفُ من جديد، هذه المرة، بين ذراعي أنا.
أما الدبّ، فقد نظر إليَّ طويلًا، ثم عاد إلى الظلّ.
لم يغضب، لم يهاجم. فقط مضى.
---
في تلك اللحظة، أدركتُ شيئًا.
هناك أشياءٌ في الحياة لا تُحارب بالقوة، بل بالثبات.
وهناك من يحمل البراءة في قلبه، حتى لو بدا عليه أنه لا يشبهها.
نور شاكر
اضف تعليقاً عبر:
الابتسامات